قال سيدي العارف بالله تعالى محمد الحافظ التجاني في رسالته –علماء تزكية النفس -- :**و البدعة في اللغة معناها مطلق أمر حدث بعد أن لم يكن,سواء كان له أصل في الشرع أو لم يكن.فما لا أصل له في الشرع فهو البدعة بالمعنى الشرعي,و هي البدعة المذمومة,أما ما يندرج تحت أصل شرعي فهو راجع إلى أصله,إن واجب فهو واجب أو مندوبا فهو مندوب,فالقرآن,وهو أصل الدين,كان في زمن رسول الله و أصحابه لا ينقد و لا يشكل ثم حدث ذلك,وليس هذا ببدعة مذمومة,وإن أطلق عليه أنه بدعة بالمعنى اللغوي,و لكنه من الواجبات شرعا,لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب و الحاجة إليه حاصلة.
و قال الشيخ يوسف الخليفة عبد الرحمان -- الجواب الكافي -- :والبدعة في اللغة الأمر المحدث على غير مثال,محمود كان الأمر كان أو مذموما . و لفظ البدعة ورد في لسان الشارع و اختلف العلماء في تعريفها على مذهبين:الأول من يتوسع في تعريفها فيقول:هي ما احدث بعد عهد النبوة سواء كان راجع إلى العبادات أم المعاملات و سواء كان حسنا أم قبيحا,و منهم الإمام الشافعي و معلوم أنه من أهل القرن الثاني حيث قال:المحدثات من الأمور ضربان أحدهما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة, و الثاني ما أحدث من الخير و هذه بدعة محدثة غير مذمومة,وتابعه على ذلك سلطان العلماء العز بن عبد السلام فقال أنه ينتج من ذلك تقسيمها إلى واجبة كوضع علم العربية و تعليمه,ومندوبة كإقامة المدارس,و مكروهة كتزويق المساجد,و محرمة كتلحين القرآن بحيث تتغير ألفاظه عن الوضع العربي,و مباحة كوضع الأطعمة على الموائد ألوانا. فأنت ترى أيها العاقل ان هؤلاء الأئمة يرون أنه لا بأس في وصف البدعة بالحسن و غيره بل إنه قوله **من سن سنة حسنة و من سن سنة سيئة** كما في حديث مسلم و الترمذي. يقتضى أن الأمر المحدث يوصف بالحسن تارة و بغيره أخرى و البدعة إنما هي الأمر المحدث, إذن فلا مانع من وصفها بالحسن.وذلك لأن الأمر المحدث إذا كان له أصل في الدين بأن لم يصادم النصوص و لم يؤد إلى مفسدة فهو البدعة الحسنة,وتندرج تحته الأقسام الثلاثة الواجبة و المندوبة و المباحة.وإذا كان غير ذلك فهو بدعة مذمومة و يندرج تحته قسمان المكروهة و المحرمة.و المذهب الثاني من يفسر البدعة بالطريقة المخترعة على أنها من الدين و ليست من الدين في شيء و على هذا التعريف فهي مذمومة على كل حال,و لا يدخل فيها واجبة و لا غيرها.وعلى ذلك ورد قوله **و كل بدعة ضلالة**وأهل الطريقة الأولى يحملون قوله **كل بدعة ضلالة**على نوع خاص من المحدثات و البدع,وهو ما كان مخالفا لأصول الدين,و أما ما لا يخالف ذلك,بأن كان حسنا,فلا يدخل في الذم,وإلا فهو غير حسن و قد فرضناه حسنا,هذا خلف,و لعل هناك من يقول ما الداعي إلى أن يقصر أهل المذهب الأول الحديث الذي هو**وكل بدعة ضلالة**علة نوع خاص من المحدثات و هلا تركوه على ظاهره ليشمل كل المحدثات فتكون ضلالة فنقول الحامل لهم على ذلك إنما هو الجمع بين الحديثين قوله **من سن سنة حسنة و من سن سنة سيئة** و قوله **و كل بدعة ضلالة**فإذا تركوه على ظاهره يحصل التعارض بين الحديثين,لأن قوله **من سن سنة حسنة **يقتضي أن الأمر المحدث الذي هو البدعة تارة يكون حسنا تارة و يكون سيئا,و إذا ترك قوله **و كل بدعة ضلالة**على ظاهره يكون منافيا لذلك.و هذا هو عين التعارض فلذلك حمل هذا على نوع خاص و هو ما خالف أصول الدين و بعد ذلك فلا داعي للإنكار.
تنبيه:بأن كبار أئمة الوهابية و علمائها في نجد يقولون بتقسيم البدعة إلى حسنة و سيئة.و إليك عبارتهم:قال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب//مؤسس الوهابية// في رسالته التي كتبها سنة 1218 هـ عام احتلال الوهابية لمكة المكرمة,و نص عبارته:**البدعة الحسنة و السيئة.و أما أحزاب العلماء المنتخبة من الكتاب و السنة فلا مانع من قراءتها و المواظبة عليها.فإن الأذكار و الصلاة على النبي و الاستغفار و تلاوة القرآن و نحو ذلك مطلوب شرعا,و المعتني بها مثاب مأجور.فكلما أكثر منه العبد كان أكثر ثوابا.لكن على الوجه المشروع من دون تقطع و لا تغير و لا تحريف.قد قال تعالى**أدعوا ربكم تضرعا و خفية**و قال تعالى**ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها** و لله در النووي في جمعه كتاب الأذكار.فعلى الحريص على ذلك به,ففيه الكفاية للموقف-ص 37 رسالة الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كتاب الهدية السنية و التحفة الوهابية النجدية مجموع خمسة رسائل لكتاب أئمة نجد و علمائها جمع و ترتيب الشيخ سليمان سحمان النجدي مطبعة النهضة الحديثة مكة المكرمة سوق الليل.
قلت و بهذا تعلم بأن الوهابية الجدد خالفوا مذهبهم في إنكارهم على من قال بالبدعة الحسنة.